
{فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ} أي ولقد كانوا {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} (الروم:48 - 49) كانوا
من قبل يائسين واجمين قلقين تصل الحال أحياناً إلى أن يعتقد الناس أنه ربما لن ينـزل مطر فقد يبست حتى [عروق الزِيَل] و(القات) و(البُن) قد تساقطت أوراقه،
فأحياناً في اليوم نفسه وفي ساعة من آخر ساعات ذلك اليوم يأتي مطر غزير في لحظة واحدة {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} متحسرين ما زالوا
متحسرين متضجرين ويائسين.
{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(الروم:50) وهكذا يأتي الحديث عن نعمه، هداية للإنسان في أكثر من
مجال بما فيها إظهار أن من يقدر على أن يحيي الأرض بعد موتها بقطرات الماء هو نفسه من يقدر على إحياء الإنسان بعد موته فتأتي هذه من الدلائل على إمكان البعث
والحياة بعد الموت.
يقول تعالى أيضاً: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان: من الآية20) ألم تعلموا؟ فما بالكم هكذا؟ ما
بالكم هكذا كل واحد منكم ظلوم كفار؟ ما بالكم ليس في قلوبكم ذرة من خشية الله؟ ليس في نفوسكم ولا في ضمائركم تقدير لنعم الله وشكر لهذه النعم، وتقدير له سبحانه
وتعالى على ما وهبكم إياه؟
{أَلَمْ تَرَوْا} تأتي عبارة {أَلَمْ تَرَوْا} كثيرا في القرآن بمعنى: (ألم تعلموا) وغالباً ما تكون في الأشياء التي الكثير منها من المشاهدات {أَلَمْ تَرَوْا} يعني: ألم
تعلموا وأنتم ترون {أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} أسبغ: أنعم نعماً كاملة، شاملة، وليس فقط يعطي القليل أو لا
يعطي الحاجة إلا بتعب كبير ومحاولات كثيرة وتلحّ عليه حتى يعطيك هذا الشيء البسيط {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً} ما أنتم تلمسونها, وتعرفونها ونعم باطنة كثيرة.
ويقول سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} (الجاثـية: من الآية12) لاحظ كيف تأتي هذه العبارات في هذه الآيات مصدّرة بقوله تعالى: {اللَّهَ}
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (إبراهيم: من الآية32) {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً} {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ} {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ}(الجاثـية: من الآية 12 - 13) جميعاً, جميع ما في السموات وما في الأرض سخرها
لكم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الجاثـية: من الآية13).
آيات لقوم يتفكرون فيعلمون من خلال تفكرهم عظم نعم الله سبحانه وتعالى عليهم فتلين قلوبهم له, تخشع قلوبهم له, يحبونه, يستحيون من أن يسيروا في معصيته،
يتفكرون أيضاً في ما سخر لهم داخل هذا العالم؛ لتتوسع معرفتهم بالله سبحانه وتعالى؛ وليصلوا من خلال تفكرهم ودراستهم لكل ظواهر هذه الحياة, وكل ما أودع في هذا
العالم يتوصلون إلى معارف كثيرة في مجال العلوم فيبدعون ويخترعون ويصنعون ويكتشفون الأشياء الكثيرة، وهذه فعلاً من الآيات التي ترشد المسلمين لو ساروا عليها
وفهموا ماذا تعني في قوله تعالى: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ألم يتحدث بعد قوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ}؟
اقراء المزيد